فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (86):

{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)}
وقوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي لا تقعدوا على كل طريق، لأن من يقعد على الطريق قد يمنع من يحاول الذهاب ناحية الرسول. والشيطان قد قال: {... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16].
فحين تقعدون على كل صراط يصير كل منكم شيطاناً والعياذ بالله؛ لأن الشيطان قال لربنا: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم}، وهنا ينهى الحق عن القعود بكل صراط؛ لأن الصراط سبيل، وحين يجمع الحق السبل لينهي عنها، إنما ليذكرنا أن له صراطاً مستقيماً واحداً، وسبيلاً واحداً يجب علينا أن نتبعه. ولذلك يقول: {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ...} [الأنعام: 153].
إذن فللشيطان سبل متعددة وسبيل الاستقامة واحد، لأن للطرق المتعددة غوايات منوعة، فهذا طريق يغوي بالمال، وذلك يغوي بالمرأة، وذاك يغوي بالجاه. إذن فالغوايات متعددة.
أو أن الهداية التي يدعو إليها كل رسول شائعة في كل ما حوله؛ فمن يأتي ناحية أي هداية يجد من يصده. ومن يطلب هداية الرسول يلقى التهديد والوعيد، والمنع عن سبيل الحق. ولماذا يفعلون ذلك؟ تأتي إجابة الحق: {وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً}.
إنهم يبغون ويودون شريعة الله معوجة ومائلة عن الاستقامة، أو تصفونها بأنها غير مستقيمة لتصدوا الناس عن الدخول فيها، ولتنفروا منها، مثال ذلك السخرية من تحريم الخمر والادعاء بأنها تعطي النفس السرور والانسجام. إن الواحد من هؤلاء إنما ينفر من شريعة الله، ويدعي أنها شريعة معوجة، فنجد من يحلل الربا؛ لأن تحريم الربا في رأيهم السقيم المنحرف يضيق على الناس فرصهم. إنهم يبغون شريعة الله معوجة ليستفيدوا هم من اعوجاجها، وينفروا الناس منها. {... واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين}.[الأعراف: 86].
نعلم أن كل ردع، وكل توجيه يهدف إلى أمرين اثنين: ترغيب وترهيب، وعلى سبيل المثال نجد المدرس يقول للتلاميذ: من يجتهد فسنعطيه جائزة، وهذا ترغيب، ويضيف الأستاذ للتلاميذ: ومن يقصر في دروسه فسنفصله من المدرسة؛ وهذا ترهيب. وما دام الناس صالحين لعمل الخير ولعمل الشر بحكم الاختيار المخلوق فيهم لله فلابد من مواجهتهم بالأمرين بالترغيب في الخير والترهيب من الشر.
والحق هنا يقول في الترغيب: {واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}.
وكأنه يطالبهم بأن يكونوا أصحاب ذوق وأدب، فنحن نعلم أن مدين تزوج وأنجب عدداً من الذرية وكانوا قلة في العدد فكثرهم حتى صاروا قبيلة، وكانوا ضعافاً فقواهم، وكانوا فقراء فأغناهم، فمن صنع فيكم ولكم كل هذه المسائل ألا يصح أن تطيعوا أوامره. كان عليكم أن تطيعوا أوامره. وهذا ترغيب وتحنين.
ونعلم أن شعيباً هو خامس نبي جاء بعد نوح، وهود، وصالح، ولوط. لذلك يذكرهم الحق بما حدث لمن كذبوا الأنبياء الأربعة السابقين. وقد يكون قوم نوح معذورين لأنهم كانوا البداية، فلم يسبقهم من أخذ بالعذاب لتكذيب رسلهم، ثم صارت من بعد ذلك قاعدة هي أن من يكذب الرسل يلقى العذاب، مصداقا لقوله الحق: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ...} [العنكبوت: 40].
فإذا كان شعيب ينذرهم بأن ينظروا كيف كان عاقبة المفسدين ممن سبقوهم فهذا تذكير بمن أغرقهم ومن أخذتهم الصيحة، ومن كفأ وقلب ودمر ديارهم، ومن جاء لهم بمطر من سجيل، فإن لم يعرفوا واجبهم نحو الله الذي أنعم عليهم بأن كانوا قليلاً فكثرهم، فعليهم أن يخافوا عاقبة المفسدين. إذن فقد جمع لهم بين الترغيب والترهيب.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ...}.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)}
وهذا القول يوضح لنا أن طائفة آمنت، وطائفة لم تؤمن، ثم جاء الأمر للطائفتين، فأمر المؤمنين بالصبر تأنيس لهم، وأمر الكافرين بالصبر تهديد لهم.
وهذه دقة القرآن في الأداء وعظمة البيان والبلاغة. إذن، فكلمة: فاصبروا نفعت في التعبير عن الأمر بالصبر للذين آمنوا، ونفعت في كشف المصير الذي ينتظر الذين لم يؤمنوا، فصبر الكافرين مآله وعاقبته، إما أن يخجلوا من أنفسهم فيؤمنوا، وإما أن يجدوا العذاب، وصبر المؤمنين يقودهم إلى الجنة، وأن الذي يحكم هو الله وهو خير الحاكمين؛ لأن المحكوم عليهم بالنسبة له سواء، فلا أحد منهم له أفضلية على أحد، ولا أحد منهم قريبه، وإلا قرابة القربى والزلفى إليه، وسبحانه هو العادل بمطلق العدل، ولا يظلم أحداً.
ويقول الحق بعد ذلك: {قَالَ الملأ الذين استكبروا...}.

.تفسير الآية رقم (88):

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)}
علمنا من قبل أن الملأ هم السادة، والأعيان الذين يملأون العيون هيبة، ويملأون القلوب هيبة، ويملأون الأماكن تحيزاً. وقد استكبر الملأ من قوم شعيب عن الإيمان به، طغوا وهددوه بأن يخرجوه من أرضهم. وقالوا مثلما قال من سبقوهم. فقد نادى بعض من قوم لوط بأن يخرجوا لوطاً ومن آمن معه من قريتهم. قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56].
وكلمة (قرية) تأخذ في حياتنا وضعاً غير وضعها الحقيقي، فالقرية الآن هي الموقع الأقل من المدينة الصغيرة. لكنها كانت قديماً البلد الذي توجد فيه كل متطلبات الحياة، بدليل أنهم كانوا يقولوا عن مكة (أم القرى). وقد وضع شعيباً ومن آمن معه بين أمرين: إما أن يخرجوهم حتى لا يفسدوا من لم يؤمن فيؤمن، وإما أن يعودوا إلى الملة.
وهنا (لفتة لفظية) أحب أن تنتبهوا إليها في قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} لأن العود يقتضي وجوداً سابقاً خرج عنه، ونريد أن نعود إلى الأصل، فهل كان شعيب والذين آمنوا معه على ملتهم ثم آمنوا والمطلوب منه أنهم يعودون؟
علينا أن ننتبه إلى أن الخطاب هنا يضم شعيباً والذين معه. وقد يصدق أمر العودة إلى الملة القديمة على الذين مع شعيب، ولكنها لا تصدق على شعيب لأنه نبي مرسل، وهنا ننتبه أيضاً إلى أن الذي يتكلم هنا هم الملأ من قوم مدين، ووضعوا شعيباً والذين آمنوا معه أمام اختيارين: إما العودة إلى الملة، وإمَّا الخروج، ونسوا أن الحق قد يشاء تقسيماً آخر غير هذين القسمين. فقد يوجد ويريد سبحانه أمراً ثالثاً لا يخرج فيه شعيب والذين آمنوا معه، وأيضاً لا يعودون إلى ملة الكفر، كأن تأتي كارثة تمنع ذلك.
لقد عزل الملأ من قوم شعيب أنفسهم عن المقادير العليا، لأن الله قد يشاء غير هذين الأمرين، فقد يمنعكم أمر فوق طاقتكم أن تُخْرِجوا؛ شعيباً ومن آمن معه؛ بأن يصيبكم ضعف لا تستطيعون معه أن تخرجوهم، أو أن يسلط الله عليكم أمراً يفنيكم وينجي شعيباً والذين آمنوا معه. إذن أنت أيها الإِنسان الحادث، العاجز لا تفتئت ولا تفتري وتختلق على القوة العليا في أنك تخير بين أمرين قد يكون لله أمر ثالث لا تعلمه، ويأتي الرد على لسان مَن آمنوا مع شعيب: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88].
لقد سأل شعيب والذين معه: أيمكن أن يتم قهر أحد على أن يترك الإِيمان إلى الكفر، كأن الكافرين قد تناسوا أن التكليف مطمور في الاختيار، فالإِنسان يختار بين سبيل الإِيمان وسبيل الكفر.
ويتتابع القول من شعيب والذين آمنوا معه: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً...}.

.تفسير الآية رقم (89):

{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}
وقولهم: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} أي أنهم يعلمون أن العودة إلى مثل هذه الملة لون من الكذب المتعمد على الله. لأن الكذب أن تقول كلاماً غير واقع، وتعلن قضية غير حقيقية ثم قلت على مقتضى علمك فهذا مطلق كذب. لكن إن كنت عارفاً بالحقيقة ثم قلت غيرها فهذا افتراء واختلاق وكذب. والذين آمنوا مع شعيب عليه السلام يعلمون أن الملة القديمة ملة باطلة، وهم قد شهدوا مع شعيب حلاوة الإِيمان بالله؛ لذلك رفضوا الكذب المتعمد على الله. ويقولون بعد ذلك: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله...} [الأعراف: 89].
قد عرفوا أن التكليف اختيار وهم قد اختاروا الإِيمان، وأقروا وأكدوا إيمانهم بأنه سبحانه له طلاقة القدرة، فقالوا: {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله}. فمشيئته سبحانه فوق كل مشيئة. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قلوب بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقَلْبٍ واحدٍ يصرفُه حيث شاء».
وألم يقل سيدنا إبراهيم وهو أبو الأنبياء والرسل: {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام...} [إبراهيم: 35].
لم يقل: واجنبنا. بل قالها واضحة ودعا ربًّه أن يبعده وينأى به وببنيه أن يعبدوا الأصنام، لأنه يعلم طلاقة قدرته سبحانه. إذن فمن آمنوا مع شعيب احترموا طلاقة القدرة في الحق؛ لذلك قالوا: {وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّنَا...} [الأعراف: 89].
ولكن الله لا يشاء لمعصوم أن يعود، وسبحانه يهدي من آمن بهداية الدلالة ويمده بالمزيد من هداية المعونة إلى الطريق المستقيم.
ويتابع أهل الإيمان مع شعيب. {... وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
جاء قولهم: {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا} لأن خصومهم من الملأ بقوتهم وبجبروتهم قالوا لهم: انتم بين أمرين اثنين: إما أن تخرجوا من القرية، وإما أن تعودوا في ملتنا. وأعلن المؤمنون برسولهم شعيب: أن العود في الملة لا يكون إلا بالاختيار وقد اخترنا ألا نعود. إذن فليس أمامهم إلا الإخراج بالإجبار؛ لذلك توكل المؤمنون على الله ليتولاهم، ويمنع عنهم تسلط هؤلاء الكافرين. {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
وساعة نسمع كلمة (افتح) أو (فتَح) أو (فَتْح) نفهم أن هناك شيئاً مغلقاً أو مشكلاً، فإن كان من المُحسّات يكون الشيء مغلقاً والفتح يكون بإزالة الأغلاق وهي الأقفال، وإن كان في المعنويات فيكون الفتح هو إزالة الإشكال، والفتح الحسي له نظير في القرآن، وحين نقرأ سورة يوسف نجد قوله الحق: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ ياأبانا مَا نَبْغِي هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا...} [يوسف: 65].
وكلمة {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} تعني أن المتاع الذي معهم كان مغلقاً واحتاج إلى فتح حسي ليجدوا بضاعتهم كما هي. وأيضاً يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا...} [الزمر: 73].
ومادام هناك أبواب تفتح فهذا فتح حسي، وقد يكون الفتح فتح علم مثلما نقول: ربنا فتح علينا بالإيمان والعلم، ويقول الحق: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ...} [البقرة: 76].
فما دام ربنا قد علمهم من الكتاب الكثير فهذا فتح علمي. ويكون الفتح بسوق الخير والإمداد به. والمثال على ذلك قوله الحق: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا...} [فاطر: 2].
وكذلك قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض...} [الأعراف: 96].
والبركات من السماء كالمطر وهو يأتي من أعلى، وهو سبب فيما يأتي من الأسفل أي من الأرض.
والفتح أيضاً بمعنى إزالة إشكال في قضية بين خصمين، ففي اليمن حتى الآن، يسمون القاضي الذي يحكم في قضايا الناس (الفاتح) لأنه يزيل الإشكالات بين الناس. وقد يكون (الفتح) بمعنى (النصر)، مثل قوله الحق: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ...} [البقرة: 89].
لقد كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لينتصروا به على الذين كفروا، ومن الفتح أيضاً الفصل في الأمر من قوله الحق هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين...} [الأعراف: 89].
وهذا القول هو دعاء للحق: احكم يا رب بيننا وبين قومنا بالحق بنصر الإِيمان وهزيمة الكفر، وأنت خير الفاتحين فليس لك هوى ضد أحد أو مع أحدٍ من مخلوقاتك.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ...}.